تعتبر الأشعة الكونية cosmic ray من المصادر الغنية بوجود الجسيمات الأولية حيث تم اكتشاف العديد من الجسيمات في تلك الأشعة وقد بدأ البحث في الأشعة الكونية مع بداية هذا القرن حيث كان تشالرز ويلسون في (انجلترا) واليستر جيتر في(ألمانيا )يجرون تجارب على مقدرة الهواء على توصيل الكهرباء فاكتشف أن هذه المقدرة قد ترجع إلى فاعل خارجي ربما يكون إشعاعا َخارجاَ عن نطاق الأرض.
وفي عام 1910قام العالم السويسري جوكر بتجارب على هذه الظاهرة مستخدما َبالونا َعلى ارتفاعات عالية حيث وجد زيادة في تأين الهواء في تلك الإرتفاعات وفي عام 1913 و1914 أجرى كل من هيس في النمسا وكولهورستر في ألمانيا تجارب على ارتفاعات عالية حيث وجد زيادة ملحوظة في الإشعاعات المتأينة عند تلك الارتفاعات .
وأقترح هيس أن مصدر هذا التأين هو وجود أشعة آتيه من مصدر كوني بعيد وابتداء من عام 1922 قام العالم الأمريكي روبرت مليكان بدراسة هذه الأشعة ووصل إلى ارتفاع حوالي 16 ألف متر وأثبت بذلك وجود الأشعة بحيث لا يدع مكان للشك وقد أطلق على هذه الأشعة اسم الأشعة الكونية COSMIC RAY .
وبدأ العلماء بالكشف عن الجسيمات الأولية الموجودة في الطبيعة حيث اكتشف اندرسون جسيم البوزترون عام 1932 وهو أول جسيم يتم اكتشافه في علم الفيزياء وفي عام 1937 اكتشف اندرسون الميون وتم بعد ذلك اكتشاف العديد من الجسيمات ومع بداية هذا القرن وبعد أن وصل تصميم الكشافات الكهربائية (الالكتروسكوبات ) إلي درجة عالية من الإتقان باستخدام مواد عالية جداَ , لوحظ أن الالكتروسكوبات المشحونة تفرغ شحنتها بالتدريج. وقد عزا هيس هذا التفريغ إلي وجود مصدر مشع غير معروف يصدر أشعة مؤينة تؤدي إلى تسرب جزء من شحنة الالكتروسكوب نتيجة التأين الذي تحدثه .
وقد كان الاعتقاد السائد لدى العلماء في تلك الفترة أن هذه الأشعة تصدر عن المواد المشعة الموجودة في القشرة الأرضية ، ولكن هيس كان غير مقتنع بهذه التفسير , وفي تجربة له عام1900 أرسل الالكتروسكوبات مشحونة إلى إرتفاعات متفاوتة بواسطة بالونات , وقد وجد أن هذه الأشعة تزداد شدتها مع زيادة الارتفاع عن سطح الأرض وهذا يعني أن الأشعة ليست صادرة من المواد المشعة في القشرة الأرضية لأن ذلك يقتضي تناقص الأشعة مع الارتفاع , وهذا يثبت بما لا يدع مكان للشك أن مصدر هذه الأشعة هو الفضاء الخارجي وقد أطلق على هذه الأشعة اسم الأشعة الكونية .
خصائــــــص الأشعة الكونية properties of cosmic rays
في عام 1920 وبعد سلسة تجارب أجراها مليكان ومساعدوه في جامعة كاليفورنيا على قياس الأشعة الكونية على إرتفاعات متفاوتة فوق سطح الأرض وفي أعماق مختلفة في البحار والمحيطات , تبين أن لهذه الأشعة قدرة على اختراق عالية جداَ لا تقارن إطلاقا بقدرة الاختراق لأشعة جاما الصادرة من جميع العناصر المشعة طبيعياَ , الأمر الذي يؤكد أن للأشعة الكونية طاقة مرتفعة جداَ . وبسبب وجود الغلاف الجوى المحيط بالأرض , فإن الأشعة الكونية التي تصل إلى سطح الأرض لا تكون في الغالب هي الأشعة الابتدائية التي تسقط على الغلاف الجوي ، بل هي أشعة ثانوية ناتجة عن تفاعل الأشعة الابتدائية مع ذرات الغلاف الجوي .
وبعد أن أصبحت إمكانية القياس للأشعة الكونية ممكنة عند إرتفاعات عالية جداَ , أصبح من الممكن التعرف على طبيعة الأشعة الكونية الأصلية , وقد أمكن في بعض التجارب قياس الأشعة الكونية التي تصل طاقتها إلى 10^9 جيجا إلكترون فولت وتشمل الأشعة الكونية أنواعا عديدة من الإشعاعات والتي يغلب عليها الايونات التي يتراوح عددها الذري بين (أيون الهيدروجين أي البروتون) إلي 26 (أيون الحديد) . وتدل غلبة وجود البروتونات في الأشعة الكونية على وجود نسبة عالية من الهيدروجين في الفضاء .
ونظراَ لأن الأيونات المشحونة تكون نسبة عالية من الأشعة الكونية ,لذلك فإن هذه الأشعة تتأثر بالمجال المغناطيسي المحيط بالأرض , حيث يؤدي إلى إزاحة الجسيمات المشحونة المتحركة , خصوصاَ ذات الطاقة القليلة منها بعيداَ عن الأرض . وتزداد هذه الإزاحة عند خط الاستواء بسبب ازدياد المركبة الأفقية للمجال المغناطيسي , في حين تقل هذه الإزاحة عند القطبين بسبب نقصان المركبة الأفقية للمجال المغناطيسي , وهذا يعني أن الأشعة الكونية تكون قيمتها الدنيا عند خط الاستواء , ثم تزداد مع خطوط العرض المغناطيسية , إلى أن تصل إلى قيمتها العظمى عند الأقطاب .
والجدير بالذكر أن المجال المغناطيسي الأرضي يعمل كمرشح تمرير عالِ فهو يسمح فقط للأشعة الكونية ذات الطاقة العالية بالوصول إلى سطح الأرض وذلك لعدم قدرتها على إزاحتها .
الجسيمات الأساسية في الأشعة الكونية
يرتبط الحديث عن الجسيمات الأساسية بالحديث عن الأشعة لسببين أولهما أن اكتشاف بعض الجسيمات الأساسية كان أثناء دراسات أجريت على الأشعة الكونية , وثانيهما أن بعض الجسيمات الأساسية لا يمكن توليدها إلا بحصول تفاعلات نووية تكون فيها القذيفة ذات طاقة عالية جداَ لا يمكن توفيرها معملياَ ولا توجد إلا بالأشعة الكونية .
لقد كان يعتقد أن الجسيمات الأساسية التي تعتبر الوحدات الأساسية لتركيب المادة محصورة في ثلاثة جسيمات هي البروتون والنيترون والإلكترون , ولكن يوكاوا في محاولته لتفسير القوة النووية بين النيوكلونات ,افترض أن هذه القوة تبادلية ومصدرها جسيم أساسي مشترك بين النيوكلونات , وكتلته تقع بين البروتون والإلكترون , كما هو الحال في قوة الربط الحاصلة في جزيء الهيدروجين نتيجة اشتراك ذرتين فيالكترونين , تقدم كل ذرة واحدة منهما .
وبعد وضع وضع يوكاوا لنظريته تم اكتشاف الميوـميزون أو الميون , وهو جسيم كتلته تعادل 206 كتلة الإلكترون . وقد تم التعرف عالي هذا الجسيم أثناء أثناء الدراسة على الأشعة الكونية حيث يعتبر الميون أحد النواتج الثانوية لهذه الأشعة ,ذلك أن الأشعة الكونية ذات طاقة أعلى بكثير من أية طاقة ربط نووية , ولذلك فإن تأثيرها على النواة لا يؤدي إلى تحرير النيوكلونات فحسب بل يبقى من طاقتها من طاقتها ما يكفي لتحطيم النيوكلونات نفسه وإخراج الميون منه . وقد كان يظن ابتداءان الميون هو الجسيم الذي توقعه يوكاوا في نظريته إلا أن قدرة الاختراق العالية للميون التي تجعله يخترق عشرات الكيلومترات من الغلاف الجوي ومئات الأمتار من ماء البحر تعني أن تفاعله مع النيوكلونات ضعيف جداَ ,
وبعد اكتشاف الميون تم اكتشاف جسيم آخر هو الباي ميزون أو البيون وهو أثقل بقليل من الميون , ولكنه يتفق تماماَ مع نظرية يوكاوا من حيث كونه شديد التفاعل مع النيوكلونات وقد أصبح من المؤكد البيون هو الجسيم الذي توقعته نظرية يوكاوا . وقد تلا اكتشاف البيون اكتشاف العديد من الجسيمات الأساسية الأخرى والتي كان للأشعة الكونية الأثر في الكبير في اكتشافها ويبين الجدول التالي أهم هذه الجسيمات مع بعض خواصها . وهي مرتبة حسب كتلتها . ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات:أولاها الجسيمات الثقيلة وتسمى الهايبرونات أوالباريونات وأصغرها كتلة هوا لبروتون , وهي جسيمات ذات عدد كمي لفي s نصف صحيح ½أو⅓مثل الجسيمات Ω و∑ وΞ وn وp .وثانيهما الجسيمات المتوسطة الكتلة وهي الميزونات مثل π وk وهي ذات عدد كمي لفي صحيح . أما ثالثتها فهي الجسيمات الخفيفة وتسمى ليبتونات مثل eوμ وν. وهي ذات عدد كمي لفي نصف صحيح.
وفي القران الكريم يقول الله تعالى في كتابه العزيز }وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتبتغوا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا { (الإسراء)
في هذه الآية الكريمة يذكرنا تبارك وتعالى بأنه قد جعل الليل والنهار آيتين من آياته الكونية المبهرة التي تدل على قدرته . فاختلاف هيئة كل من الليل والنهار في الظلمة والنور وتعاقبها على وتيرة رتيبة منظمة ليدل دلالة قاطعة أن خالقهماقادرا على عليما حكيم عليم . وتتحمل الآية من المعاني ماهوفوق ذلك , مما يحتاج إلى توظيف العديد من الحقائق العلمية الحديثة . فقد ثبت علميا أن أفضل نوم للإنسان هو نومه باليل وان إطالة النوم بالنهار يؤثر في صحته تأثيرا سلبيا وربما كان ذلك يعود إلى الحقيقة التي مؤداها أن الله تعالى قد جعل الليل لباسا والنهار معاشا , وإلى الحقيقة الكونية التي تقول أن الانكماش الملحوظ في سمك طبقات الحماية في الغلاف الغازي للأرض ليلا , وتمددها نهارا يؤدي إلى زيادة قدراتها على حماية الأرض بالنهار عنها في الليل حيث ترق طبقات الحماية الجوية تلك رقة شديدة . وقد تسمح لعدد من الإشعاعات الكونية بالنفاذ إلى الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض وهي إشعاعات كونية مهلكة لمن يتعرض لها لمدة كافية , ومن هنا كان الامرالقراني بالاستخفاء في الليل والظهور بالنهار وقد طلب الله من رسوله عليه الصلاة والسلام أن يستعيذ بالله منشر الليل إذا دخل بظلامه فهذا الشر ليس مقصورا على الظلمة وما يمكن أن يتعرض فيها المرء إلى مخاطر البشر, بل قد يمتد إلى مخاطر الكون وإشعاعاته وعلى الرغم من الظلام الشامل للكون الذي لم يدركه الإنسان الابعد ريادة الفضاء منذ مطلع الستينات من القرن العشرين فإن العلماء لاحظوا في سماء الأرض عدداَمن الظواهر المنيرة في ظلمة الليل الحالك منها : توهج الهواء في طبقات الجو العليا و ظاهرة أنوار مناطق البروج وظاهرة أضواء النجوم في مواقعها المختلفة وظاهرة الفجر القطبي وأطيافه التي تعرف باسم الأضواء القطبية التي ترى باليل في سماء المناطق القطبية .
ويفسر العلماء ظاهرة الفجر القطبي بارتطام الأشعة الكونية بالغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلى تأينه (أي شحنه بالكهرباء ) وإصدار أشعة كونية ثانوية ثم تصادم الإشعاعات الكونية مع بعضها في الغلاف الجوي مما يؤدي إلى تفريغها وتوهجها وتنطلق الأشعة الكونية من الشمس وان كان اغلبها يصلنا من خارج المجموعة الشمسية . وتتسرب الاشعةالكونية الأولية إلى الأرض عبر قطبيها المغناطيسيين لتصل إلى أحزمةالاشعاع ومناطق التأين في الغلاف الغازي مما يؤدي إلى تكون الأشعة الكونية الثانوية التي قد يصل بعضها غلى سطح الأرض فيخترق صخورها أما الأشعة الكونية الأولية فلا يكاد يصل منها إلى سطح الأرض قدر يمكن قياسه
والأشعة الكونية بأنواعها المختلفة تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض . والتي تنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسي ساحبة معها موجات الأشعة الكونية , وذلك لعجزها عن عبور مجال الأرض المغناطيسي , ومن الثابت علميا أن نطاق الحماية للأرض ومنها الأوزون لم تكن موجودة في بدء خلق الأرض ولم تتكون إلا على مراحل متطاولة من بداية الخلق وعلى ذلك فقد كانت الأشعة الكونية وباقي صور النور تصل الى الارض فتؤدي الى إنارتها وتوهجها ليلاَ بمثل ظاهرة الشفق القطبي وتوهج الهواء وأضواء النجوم وغيرها مما يشاهد اليوم ولكن بمعدلات أشد وأقوى وبعد تكون الحماية للأرض أخذت بالتضاؤل تدريجياحتى اقتصرت على بقايا رقيقة من مناطق محدودة مثل منطقتي قطبي الارض لتبقى شاهدة أن ليل الارض في المراحل الأولى لخلقها كان يضاء بوهج لا يقل في شدته عن نور الفجر الصادق .